آفات الإعلام !؟
لقد قلنا من قبل إن وظيفة الإعلام هي أن يطرح قضايا وأن وسيلته طريقتان: إحداهما استطلاع رأي المفكرين وذوي الاختصاص، والثانية أن يفعل ذلك بعكس الواقع كما هو معاش.
ولكن الذي يحدث في أجهزتنا الإعلامية يؤكد أنهم لا يأبهون بأي من هاتين الوسيلتين لكي تقوم بدورها بشكل فعال ومؤثر يحقق وظيفته.
وهنا تحدث الفوضى.
لأن المذيع أو مقدم البرنامج يحاول أن يقوم بدور هو غير مؤهل له حين ينصب نفسه مفكراً، وكذلك الحال إذا حاول المفكر أن يقوم بدور المذيع أو مقدم البرنامج حتى وإن كان مؤهلاً للقيام بهذا الدور بحكم سعة أفقه، إلا أن الناحية الحرفية المهنية ستخذله لا شك.
وهنا تكمن الورطة.
لقد شهدنا في قنواتنا العربية الكثير من مثل هذه المآزق التي يقع فيها وفي أفخاخها الضيف المفكر أو الاختصاصي والمضيف المذيع أو مقدم البرنامج، ولكن يقع فيها أيضاً المشاهد والمتلقي حيث تختلط عليه الأمور فلا يعرف من هو المفكر ومن هو الإعلامي الذي تنحصر مهمته في إتاحة الفرصة للمفكر كي يعبر عن أفكاره ورؤاه، حيث يجد المذيع أو مقدم البرنامج يسمح لنفسه الحق بإطلاق أحكاماً قطعية عن رؤاه هو الشخصية، منطلقاً في ذلك من انطباعات فطرية عن أفكار هذا المفكر أو ذاك الاختصاصي، دون أن يمتلك الأدوات والخلفيات الأكاديمية والفكرية التي تؤهله لهذا الشكل من المناظرة. مع أن غاية ما يجب، وما يمكنه القيام به هو استفزاز هذا المفكر أو الاختصاصي بهدف استضافة وإخراج ما في جعبته من أفكار ورؤى، وبطريقة لبقة تحفظ لهذا المفكر قدره ومكانته، لا أن يجعل من نفسه كفؤاً لهذا المفكر في مجاله.
مثل هذا الكلام لا يقال تقليلاً من مكانه الإعلامي، ولكني أقوله من منطلق حرفي بحت، إذ يجب أن يعرف كل أحد حدود وظيفته الاجتماعية. وحتى يعرف كل أحد كيف يؤدي وظيفته على النحو الصحيح والكامل.
ولعل هذه واحدة من آفات العقل العربي، فالكل يريد أن يقوم بكل الوظائف دون أي استعداد، في حين يتجه العالم إلى التخصص. فأنا، لا، ولن يمكن أن أصبح في الوقت ذاته مفكراً وإسكافياً وإعلامياً ومزارعاً وصائد أسماك بحرية، أي أن أصبح كل شيء.